( مناضلو و ثوريو أعالي البحار )

تاريخ التسجيل : 29/06/2011

.
.

( مناضلو و ثوريو أعالي البحار )

في ستينيات القرن الماضي - و ما تلاها من عقود - مرَّتْ على الأمة العربية ظاهرة ثورية جديدة لم تعهدها الثورات من قبل , إنَّها ثورة ( الفنادق لا الخنادق ) , كان كل مَن يشتهي البروز الإعلامي و تعبئة الجيب بالدولارات , كان يركن إلى دولة عربية منشقاً عن فصيلته الثورجية التي كانت تؤويه معلناً أنَّه سئم و ملَّ من مماطلة قيادة فصيلته القديمة لأنَّها لم تحرك ساكناً في تحرير الأرض ! و أنَّه - و يقسم بأغلظ الأيمان - قد نذر نفسه للمضيّ قدماً في تحرير هاتيك الأرض المقدسة , و من طبيعة الحال أن تتلقفه بعض النظم العربية الثورجية و تتاجر به و بقضيته تحقيقاً لمآربها و غاياتها نكايةً بفصيلته القديمة و اقتصاصاً من قائد هذه الفصيلة أو تلك لأنه لم يخضع لنظرية هذه الدولة الثورجية !
أسوق هذه الكلمات و أنا أرى بروزاً جديداً لهؤلاء الثورية - الكلمنجية - في الآونة الأخيرة , لكنَّهم - يا مساكين - ليسوا محظوظين كحظوظ أولئك الثوار - الكلمنجية أيضاً - القدامى , لأنَّ هذه الدفعة من ثوار القرن الحادي و العشرين يكفيهم من الأسلحة أن يملكوا جهاز حاسوب و خط انترنت و تلقف الأخبار من المحطات الفضائية على مزاجهم و بما يتوافق مع قصور رؤاهم و رؤيتهم . و يخرج الثوار الجدد من خلف الشاشات يدبجون الخطب الرنانة و يَعِدون الشعوب بالنصر خلال أيام و يبشرونهم بسقوط الطغاة غداً صباحاً , و يؤيدون كل وعودهم الخطيرة بمقال صحفي من هنا و نشرة أخبار من هناك و يكونون بذلك قد - أعدّوا ما استطاعوا من قوة - لدك معاقل الطغاة . هم يقيمون خارج حدود أوطانهم , و يثورون على أنظمة بلدانهم السياسية من خلال جبهات ما وراء الشاشات , و يشحنون شباب أوطانهم بكل ما أوتوا من علم الكلام المتقن الصنع , و يؤكدون لهم أنَّ تباشير النصر على وشك الانبلاج , و يطالبون أبناء أوطانهم بالخروج على الحكام , و إعلان رغباتهم بإسقاط الأنظمة . و كل ذلك - قد - يكون محموداً و متفهماً منهم , أقول - قد - لأنَّني على يقينٍ شبه قطعي بأنَّ أحداً من هؤلاء الثورجية - السبعة نجوم - لو طُلِبَ من أحدهم أن يهبط من عليائه التنظيري إلى أرض المواجهة في وطنه لرأيته يفر من الطلب فرار الحُمُر المستنفرة إن لاقتْ في طريقها قسورة ! و أبسط مسلكٍ لتهربهم من هذا الطلب هو التعلل بأن مجيئهم إلى بلدانهم سوف يعرضهم للاعتقال و التعذيب و قد يكون مصيرهم الإعدام . و أقول : نعم ربما ينالون هذا الأمر في أبشع صوره , لكنني أسألهم : إن كنتم لا تريدون أن تكونوا فداءً لثورات أوطانكم , و تغلون أرواحكم عن حرية الوطن , فلماذا تزجون بشعاراتكم في آذان الشباب داخل الوطن و أنتم تتهمون أنظمتكم بأنَّها دموية و عسكرية و مجرمة !!! هل من أجل أن تجربوا حظ أمانيكم عبر هؤلاء الشعوب من حيث النجاح أو الفشل في تحقيق ثوراتكم ؟! أم أنَّكم تترفعون عن بني قومكم مقاماً و غلاء نفس !!! و أنا أتحدى كل هؤلاء المقيمين خارج حدود أوطانهم أن ينذروا أنفسهم - كما نذروا فتنتهم - رخيصةً فداءً للوطن و الحرية و الكرامة كما يطالبون , و أنا أزعم و أؤكد أنَّ ما من دولة - مهما كان نظامها الأمني خطير و دقيق و شديد - تستطيع أن تغلق كل حدودها من محاولات الدخول عبر مسارب عديدة يعرفها الكثير من ممتهني الاسترزاق عبر التهريب أو التخريب , فلِمَ لا يشرِّف هؤلاء المناضلون من أعالي البحار إلى أوطانهم عبر هذه المسارب ليكونوا قادة و أكباش فداء لحرية الوطن !!! و إن كان هؤلاء لا يعلمون التاريخ فليعلموا أنَّ ما من ثورة كانت على حق و انتصرت إلّا بوجود قادتها الأشراف بين ظهراني شعوبهم , يقاسمونهم كل الظروف حتى ينبلج فجر الحرية أو يستشهدوا دونه . أقول هذا و أنا على يقين كبير أنَّ المنظرين سيبقون متمترسين خلف شاشاتهم يؤزون الشعوب أزاً , فإن حققوا ما أرادوا فبها و نعمتْ , و إن لم يكن , فهم على النضال مقيمون , و لسان حالهم يقول : يا دار - يقصدون دارهم هم فقط - ما دخلك شر .

و إنَّ غداً لناظره قريب .

( عماد )

.
.